مجتمع

انتخابات الرئاسة: هل تتأثر السياسة الخارجية الأمريكية بهوية الرئيس القادم؟

تتطلع الأبصار حول العالم إلى انتخابات الرئاسة بالولايات المتحدة، وتحسب الأطراف الدولية حساباتها لتوقع الفائز ودراسة ما يترتب على ذلك في مختلف القضايا.

future صورة تعبيرية (هل تتأثر السياسة الخارجية الأمريكية بهوية الرئيس القادم؟)

تتطلع الأبصار حول العالم إلى الأجواء الانتخابية في الولايات المتحدة، فالانتخابات الرئاسية الأمريكية ليست حدثاً محلياً، بل تحسب الأطراف الدولية حساباتها لتوقع الفائز في هذه المنافسة، ودراسة ما يترتب على فوزه في القضايا المختلفة، خصوصاً الأزمات الساخنة ومنافسات القوى العظمى.

اختبار غزة

بالنسبة للموقف من القضية الفلسطينية والصراع الملتهب في الأراضي المحتلة، فإن الفرق بين المرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس ليس جوهرياً، فلا يهدف أحد منهما لإنصاف العرب والمسلمين، لكن ترامب يتبنى خطاباً مؤيداً للاحتلال الإسرائيلي بطريقة فظة، بينما تبدي هاريس وكذلك الرئيس الديمقراطي جو بايدن تعاطفاً لفظياً مع المأساة الإنسانية في غزة دون خطوات عملية لوقف الإبادة، بل تعد إدارة بايدن/ هاريس الإدارة الأكثر دعماً لإسرائيل على مستوى العالم.

ورغم حديث هاريس المتكرر عن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، واعتبارها أولوية ملحة، فإنها لم تقدم رؤية أو أجندة جديدة، بل تبدو كشخص مختلف يعبر عن نفس موقف الإدارة الحالية، ولا عجب في ذلك فهي نائبة الرئيس.

وقد أحبطت هاريس الآمال المعلقة بها لإنصاف العرب والمسلمين؛ فقبل المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس الذي عُقد لانتخابها، أظهر بعض المؤيدين للقضية الفلسطينية بعض التفاؤل بترشحها للرئاسة، وقالت النائبة الديمقراطية براميلا جايابال رئيسة الكتلة التقدمية في الكونجرس، «إن هناك شعوراً بوجود فرصة مع نائبة الرئيس»، في إشارة إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية بشأن حرب إسرائيل على غزة.

لكن بعد المؤتمر الذي تم فيه منع النائبة فلسطينية الأصل، رواء رمان، أول امرأة مسلمة تُنتخب لعضوية مجلس النواب، من التحدث، وأكدت فيه هاريس دعمها تسليح إسرائيل؛ أصبح واضحاً أن مرشحة الحزب الديمقراطي ستواصل اتباع سياسات بايدن في دعم إسرائيل، وكانت النتيجة انقساماً بين المتعاطفين مع الحق الفلسطيني، فلا يزال بعضهم يحاول الضغط لدفع هاريس نحو موقف أكثر معارضة للحرب؛ بينما قرر آخرون مواصلة دعمها تجنباً للخيار الأسوأ، وهو عودة دونالد ترامب.

ويسود الإحباط بين قطاع من جمهور الديمقراطيين بسبب ذلك، فقيم الحريات وحقوق الإنسان والمساواة التي تتشدق بها أبواق حزبهم المفضل يجري تحطيمها في غزة بدعم من الإدارة الديمقراطية، وبأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وبأسلحة مصنعة في الولايات المتحدة؛ فعلى حد قول أندرو مارانتز، الكاتب في مجلة «نيويوركر»:

«إذا كنت مناهضاً للحرب، فقد يكون من الصعب حقاً معرفة من يمثل مصالحك، إن كان هناك من يمثلها».

ولا يكف ترامب عن المزايدة على منافسته الديمقراطية في التودد لليهود؛ فقد أعلن خوفه من زوال إسرائيل إذا انتخبت كامالا هاريس، معتبراً إياها مرشحة القوى التي تريد تدمير الحضارة الغربية وإسرائيل. وفي كلمة ألقاها خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي، قال ترامب إن فوزه أو هزيمته في الانتخابات سيكون «اليوم الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل».

وقال ترامب، «لم يكن هجوم السابع من أكتوبر ليحدث لو كنت رئيساً»، زاعماً أن روح العداء لليهود منتشرة داخل صفوف الحزب الديمقراطي على وجه الخصوص، على عكس الحزب الجمهوري الذي «لم يُصب بعدوى هذا المرض الرهيب»، على الرغم من أن المرشح الذي أيده لمنصب حاكم ولاية كارولينا الشمالية مارك روبنسون متورط حالياً في أزمة جزئياً بسبب تعليقات معادية للسامية.

وينتقد ترامب اليهود الأمريكيين لعدم تقديرهم لسجله في دعم إسرائيل، معتبراً أن إسرائيل بحاجة إلى «أن تكون أكثر ذكاء في التعامل مع ترامب»، وأنه على الرغم من أنه فعل للشعب اليهودي أكثر «من أي شخص آخر»، فإنه اعتبر أن هذا الإخلاص «ليس متبادلاً».

بينما تصف دعاية الحزب الجمهوري كامالا هاريس بأنها «إسلامية ماركسية» و«معادية للسامية»، على الرغم من أن زوجها دوج إيمهوف يهودي، ودخل التاريخ باعتباره أول شريك يهودي لنائب رئيس أمريكي، وإذا نجحت زوجته في الانتخابات سيصبح أول شريك يهودي لشخص يتولى رئاسة الولايات المتحدة. وعُرفت هاريس طوال حياتها بأنها داعمة لإسرائيل باعتبارها وطناً للشعب اليهودي، وكررت مراراً التزامها بأمن كيان الاحتلال ودفاعها عن حقه في الدفاع عن نفسه، على حد قولها.

وفي حين أظهرت استطلاعات الرأي حتى الآن أن أغلبية الناخبين اليهود ملتزمون باستمرار بالتصويت للديمقراطيين، فإن زعماء الجمهوريين اليهود يرفضون هذه النتائج ويروجون لمقولة إن ترامب «الرئيس الأمريكي الأكثر تأييداً لإسرائيل في التاريخ».

العلاقات مع الحلفاء والمنافسين

في حال عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، فسوف يضطر حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في مختلف أنحاء العالم إلى التعامل مع رئيس ينظر إلى السياسة الخارجية من منظور المعاملات التجارية، ويشكك في قيمة التحالفات الأمريكية، ويعلن إعجابه بخصوم بلاده.

سوف تشعر تايوان بهذه المعضلة بشكل حاد، فهي تعتمد على الولايات المتحدة في أمنها، ولا تستطيع أن تلجأ إلى أي دولة أخرى أو تردع الصين بمفردها. وفي مقابلة مع «بلومبيرج بيزنس ويك»، كرر ترامب الادعاء بأن تايوان استولت على صناعة تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، ودعاها إلى «دفع ثمن الدفاع عنا»، مشبهاً الولايات المتحدة بشركة تأمين؛ ففي حين صرح الرئيس جو بايدن في أربع مناسبات بأنه سيدافع عن تايوان في مواجهة العدوان الصيني، رفض ترامب ونائبه في الترشح جيه دي فانس، الالتزام بذلك.

بالنسبة لأنصار فكرة التزام الولايات المتحدة بردع العدوان الصيني على تايوان والدفاع عنها إذا فشل الردع، فإنهم يشيرون إلى الموقع الاستراتيجي لتايوان، وأهميتها الاقتصادية، ومكانتها كواحدة من أقوى الديمقراطيات في المنطقة، والعواقب المترتبة على الفشل في الدفاع عنها على النظام الدولي والعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، لكن من غير المرجح أن يجد ترامب مثل هذه الحجج مقنعة.

ففي مقابلة إعلامية استبعد ترامب على ما يبدو إمكانية الدفاع بنجاح عن تايوان، مؤكداً على قربها من الصين وبعدها عن الولايات المتحدة، وأظهر ميلاً إلى الحكام المستبدين، بما في ذلك الزعيم الصيني شي جين بينج، ضد شركاء أمريكا الديمقراطيين.

مخاوف أوروبا

لم يسبق من قبل أن كانت الانتخابات الأمريكية مهمة للغاية بالنسبة للأوروبيين كما هو الحال اليوم؛ ففي عديد من أنحاء القارة العجوز، يُنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة باعتبارها نقطة تحول محتملة في العلاقات بين جانب الأطلسي، ويرجع هذا في المقام الأول إلى المخاوف الأوروبية بشأن فرص دونالد ترامب في العودة إلى الرئاسة.

يشعر القادة الأوروبيون بالقلق إزاء الانحدار المستمر في المعايير الديمقراطية إذا عاد ترامب إلى الرئاسة، فالأوروبيون قلقون، ليس فقط بشأن السياسة الداخلية للولايات المتحدة وخطر انتشار الاستبداد فيها، بل أيضاً بشأن التأثير على النظام الدولي، الذي يعتقدون أنه قد يعاني من انتكاسة أكثر خطورة من ولاية ترامب الثانية، كما أن عودة ترامب قد تشجع زعماء شعبويين قوميين آخرين في أوروبا وخارجها، كما حدث خلال فترة ولايته الأولى.

كما يشعر الأوروبيون بالقلق بسبب أن الدعم الأمريكي لا يزال حاسماً بالنسبة لحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا، ومن دون التزام واضح من جانب الولايات المتحدة، سوف يفتقر الحلف إلى الزعامة السياسية والقدرات العسكرية التقليدية والنووية للدفاع عن أوروبا.

واستناداً إلى تصريحات ترامب نفسه، يتوقع الأوروبيون منه أن يستخدم المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، التي تُلزِم الحلف بالدفاع عن أعضائه كوسيلة ضغط ضدهم لزيادة الميزانيات العسكرية بأكثر مما فعلوا للتصدي للغزو الروسي لأوكرانيا، كما يخشون أن يستخدم تهديداته بالانسحاب من الحلف لفرض شروطه في القضايا غير الدفاعية مع الاتحاد الأوروبي كمسألة العجز التجاري.

هناك سبب آخر للقلق يتمثل في رغبة ترامب المعلنة في التفاوض على اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، ولا يثق الزعماء الأوروبيون في قدرات ترامب التفاوضية أو إخلاصه في حماية استقلال أوكرانيا.

كما يتوقع الحلفاء الأوروبيون أن تكون رئاسة ترامب كارثية للعلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي، فاستناداً إلى تصريحاته وأفعاله السابقة، فهو مستعد لفرض تعريفات جمركية وتدابير اقتصادية قسرية ضد الاتحاد الأوروبي، والضغط على دوله للابتعاد عن الصين.

بينما يطمئن الأوروبيون نسبياً لرئاسة كامالا هاريس، التي أعلنت دعمها الثابت لحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا، وكذلك دعمها المؤسسات الدولية والتعاون بشأن التحديات العالمية مثل تغير المناخ، ومن المرجح أن تقدم دعماً أكبر لأوكرانيا وتؤيد زيادة الإنفاق الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي، ومن المتوقع أن تسعى إلى التعاون مع أوروبا بشأن نهج مشترك للتصدي للسياسات الاقتصادية والعدوانية المتزايدة لبكين.

تسود اليوم بين الأوروبيين روح التشكك في وجود الإجماع حول أهمية المؤسسات العالمية والإقليمية مثل الأمم المتحدة والتحالف عبر الأطلسي ونظام حقوق الإنسان والنظام الاقتصادي، وكذلك التفكير المشترك حول العلاقات الدولية كما تُدرَّس في الجامعات. فخلال الحرب الباردة، كان هناك إجماع في الولايات المتحدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالالتزام بأمن أوروبا، ولم تكن الانتخابات الأمريكية تشغل أوروبا كما هو الحال اليوم؛ حيث أصبح قلق أوروبا بشأن انتخابات البيت الأبيض غير مسبوق.

أمنيات وليست توقعات

يوماً بعد يوم تتزايد الهوة والانقسام بين رؤية الجمهوريين والديمقراطيين، خصوصاً في ظل وجود ترامب الذي تتغذى شعبيته على إثارة الانقسامات، وهناك بالفعل خلافات لافتة بين ترامب وهاريس في قضايا السياسة الخارجية، سواء في ما يتعلق بالعلاقة مع الحلفاء أو الأعداء، لكن العلاقة مع إسرائيل تعد خطاً أحمر، فكلا المرشحَين له تجربة في الحكم، ترامب كرئيس وهاريس كنائبة، ولم يكن سلوك أحدهما خلال هذه التجربة خارجاً عن قواعد اللعبة في واشنطن.

إن تخيل أن تقوم كامالا هاريس بإنصاف الشعب الفلسطيني والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، يعد من باب الأمنيات وليس التوقعات؛ فاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة قوي بحيث لا يمكن تجاوزه أو الاستهانة به، بغض النظر عن الموقف الشخصي لسيد البيت الأبيض من قادة إسرائيل.

وكما اتضح في كتاب «حرب» للصحفي الأمريكي بوب وودوارد، الصادر مؤخراً، فإن الرئيس جو بايدن كان يذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بكل سوء في جلساته الخاصة، ويصفه بأقبح الألفاظ النابية، ولم يكن ذلك يعني احتمال امتناع أو حتى مجرد تأخر القوات الأمريكية عن دعم جرائمه والدفاع عن تل أبيب، ضد ردود أفعال خصومها، رغم الكلفة الباهظة لهذا الالتزام.

# الولايات المتحدة الأمريكية # الانتخابات الأمريكية 2024 # دونالد ترامب # كامالا هاريس # انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024

من هو ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي؟
هيجسيث: وزير دفاع يكره المرأة في الجيش الأمريكي
فيلم «The Apprentice»: الحقيقة وراء دونالد ترامب

مجتمع